Uncategorized

بشار الأسد من حاكم مطلق إلى محافظ سوريا المفيدة

بعد مضي اكثر من 40 عامًا على استلام حافظ الأسد الحكم بشكل رسمي في سوريا، إثر الحركة التي قام بها في 16 تشرين الثاني 1970، ضاق الشعب السوري ذرعًا بهذا الحكم وبممارساته وألاعيبه وخداعه، فهو يحمل راية فلسطين ومحاربة اسرائيل ولكنه لا يحاربها منذ العام 1974 تاريخ اتفاقية فصل القوات على أثر حرب تشرين 1973 مع اسرائيل، رغم الضربات العدّة التي تلقاها منها في سوريا كما في لبنان. وهو يستعمل هذه العناوين للإبتزاز ولإضفاء نوع من الشرعية على حكمه الذي ظل يعاني دائمًا من عقدة الاقلوية كونه ينتمي إلى الأقلية العلوية. هذا من جهة. ومن جهة أخرى، انتشر البؤس والفقر في سوريا بسبب فشل هذا النظام في التصدي للتحديات الإقتصادية والاجتماعية التي كانت تواجهه، وبسبب الفساد الذي نهش جسد الدولة ومواردها حيث سيطر عدد قليل من الشخصيات المقربة من النظام على مقدرات هذا البلد الزاخر في الموارد البشرية والطبيعية.

إذًا، أيقن السورين أن هذا النظام لا يوفر لهم الكرامة الوطنية من خلال تحرير الجولان من اسرائيل ولا يؤمن لهم الحد الأدنى من مستوى المعيشة. وإضافة إلى كل ذلك، مارس ضدهم أبشع أنواع القمع والإضطهاد.

لذلك، بلغ السيل الزبى ونزل السوريون إلى الشارع في العام 2011 مستلهمين ما حصل من ثورات في غير بلد عربي، للمطالبة بالحرية وبطريقة سلمية فقط. لكنّ هذا النظام الذي لا يفهم هذه اللغة والذي اعتاد على إلغاء الآخر وسحقه، قمع هذه المطالبة بوحشية ما بعدها وحشية. وبدأت عندئذ تتنامى انتفاضة شعبية مسلّحة على طول الأرض السورية وعرضها، وسرعان ما تدخل كل ما هبّ ودبّ في هذه الحرب. من ناحية المعارضة، ركبت المنظمات الإرهابية موجتها وأجهضت توجهاتها وأهدافها. ومن ناحة النظام، تدخلت إيران مع كل ميليشياتها في المنطقة التي تحمل مشروعها العقائدي والمذهبي. أما التدخل الحاسم فكان في أيلول عام 2015 حيث طلبت إيران والنظام السوري من روسيا التدخل لأن الأمور بدأت بالتدهور لمصلحة المعارضة. لم تتأخر روسيا عن التدخل بشكل سافر هذه المرة بعد أن تدخلت لمصلحة النظام منذ العام 2011، إما عن طريق حمايته في مجلس الأمن عندما استخدمت حق “الفيتو” مرارًا وإما عن طريق تزويده بالسلاح بكافة انواعه إضافة الى التجهيزات اللوجيستية والإستعلامية.

واليوم، في العام 2017، بدأت تتبلور ملامح مستقبل سوريا عن طريق تقاسم الدول الإقليمية والدولية النفوذ فيها. فالشمال السوري من إدلب وعفرين غربًا حتى الحسكة شرقًا على الحدود العراقية أصبحت تحت سيطرة تركيا والأكراد وبالتالي الولايات المتحدة الأميركية.

أما منطقة الشرق السوري من ريف حمص الشرقي حتى الحدود العراقية فهي خاضعة للسيطرة الأميركية المباشرة وغير المباشرة ذلك أنها منطقة جرداء قليلة السكان والسيطرة عليها تكون لمن يتفوق جوياً. ولكن الجنوب السوري خرج عن سيطرة النظام السوري بموجب الإتفاق بين الأميركيين والروس.

بناء على ما تقدم، تنحصر سيطرة النظام من دمشق جنوبًا إلى حلب والساحل السوري مرورًا بالقلمون الغربي والشرقي، حمص وريفها وحماة. ولكنّ هذه السيطرة هي نظرية، فالسلطة التقريرية تعود للجانب الإيراني والروسي. ففي حين ينفرد هذا الأخير بإحكام نفوذه على الساحل السوري برضى من سكانه بعد تقهقر الوجود الإيراني والحزب الإلهي فيه بسبب عدم استساغة سكانه للنفوذ الإيراني وعقيدته. فالعلويون لا يتقبلون التدخل الإيراني – الشيعي في حياتهم لا على المستوى الديني ولا الإجتماعي. أما مناطق حلب وحماه ولا سيما حمص ودمشق فهي تحت التأثير والنفوذ الإيراني المباشر.

والحال ما تقدم، أصبح الرئيس بشار الأسد محافظًا لدمشق حيث يتغلغل الإيرانيون بشكل توسعي. وبأحسن الأحوال هو محافظًا لسوريا المفيدة فيما القرار السيادي والسلطة العليا لإيران والأعلى لروسيا. وليس أدل على ذلك من صفقة التبادل الأخيرة المنعقدة بين “حزب الله” و”النصرة” بواسطة اللواء عباس إبراهيم، حيث إقتصر دور النظام السوري على غض النظر عن الحافلات التي توجهت من فليطا الى أدلب أو بأحسن الأحوال، تأمين خط مرور لها. فسرعان ما سيدرك هذا النظام أن السلطة والقرار السيادي في سوريا أصبحا في مكان آخر. وسيشعر السوريون الموالون للنظام بالمرارة عندما يرون أن السلطة الفعلية في سوريا أصبحت بيد الميليشيات فيما يقتصر دور النظام على تنظيم المرور في المدن والاهتمام بقطاع الدواجن والمواشي.

ألم يشعر اللبنانيون بهذا الأمر عندما كان “حزب الله” يفاوض إسرائيل بشكل غير مباشر من اجل تبادل الأسرى بعد حرب تموز 2006 فيما الدولة اللبنانية إلتزمت الصوت المهين؟

ألم يكن من الأجدى بالرئيس الأسد وبنظامه وبطائفته أن يتشاركوا الحكم مع إخوانهم المعارضين ولا سيما السنة مهما بلغت التضحيات بمراكز السلطة؟ من قال إن شيعة لبنان  وإيران سيكونون أكثر قربًا للعلويين في سوريا من السنة السوريين؟ ما ضرّ لو تجاوب الأسد مع المطالب التي أطلقها المتظاهرون في أوائل الثورة؟ ألم يكن من الممكن الإستجابة لها بجرعة خفيفة ومقبولة من الحرية والمشاركة؟ هل يظن الأسد أن سوريا يمكن أن تعود كما كانت عليه قبل العام 2011؟ فإذا كانت مصلحة إيران وأتباعها تقتضي ضرب سوريا ومن ثم السيطرة عليها في سياق مشروعها الإمبراطوري الهدام، فهل يصبّ ذلك في مصلحة الاسد، أم مصلحته تبقى مع شعبه؟ إضافة الى كل ذلك، هل فكّر نظام الأسد بفاتورة إعمار سوريا التي تقدر بمئات المليارات من الدولارات؟

إن تحليل موقف الأسد وخياره في مواجهة الثورة عسكريًا ينطلق من فرضيتين:

الأولى، ترتكز على أن الرئيس الأسد لم يكن ليتوقع مآل الأمور وبالتالي انزلق إلى هذه المنزلقات. حيث كان يعتبر أن أشهرًا قليلة ستكون كافية لإجهاض الثورة وإعادة الأمور إلى نصابها. ولكن كان بإمكانه في العام الثاني والثالث من الثورة أن يستلحق نفسه ويفتح حوارًا جديًا مع المعارضة المعتدلة بدل أن يقضي عليها لصالح المنظمات الإرهابية.

الثانية، ترتكز على توقع الرئيس الأسد ما ستؤول إليه الأمور ولكنه مع ذلك استمرّ في غيّه، وفي مشروعه معتمدًا على عناصر دعم شتى.

برأينا، إنّ الفرضية الثانية هي الأرجح لسببين:

الأول: هو عدم تقبّل النظام الديكتاتوري أن يشاركه في السلطة من كان تحت نير حكمه وبطشه لأعوام.

الثاني: هو الحقد الدفين الذي يكنه نظام الاسد للطائفة السنية في سوريا وذلك لأسباب دينية تاريخية وبسبب أحداث حماه في الثمانينيات من القرن الماضي وما قبلها وما بعدها، الأمر الذي دفعه إلى وضع نفسه في واحد من اثنين، إما أن يقضي على المعارضين السنة ويسحقهم وإما أن يقضوا عليه بدليل ما قاله أكثر من مرة بأنه لن يترك سوريا ويفضل الموت فيها. وهو العالم بأن المعارضة خصوصًا السنيّة منها لن ترحمه بسبب الفظائع التي ارتكبها نظامه ونظام أبيه بحقها.

في النهاية، أصبح من الواضح أن نظام الأسد كما سوريا ما قبل العام 2011، قد انتهى. وأصبحنا اليوم أمام معطيات مختلفة تمامًا حيث أنه من المرجح أن تذهب سوريا إلى نظام فيدرالي. أما المناطق التي هي تحت سيطرت النظام اليوم، وفي حال استقرت في مكتسبه، فسرعان ما سيدرك أنه في حاجة إلى سكانها الأصليين. ولكن يبقى الأخطر في نتائج الحرب السورية هو تعزيز الشرخ بين فئات المجتمع السوري  من جهة وبين المذاهب والطوائف في الإقليم من جهة أخرى، إضافة إلى تعزيز الإسلام المتشدد والإرهاب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى